طروحات الدكتور علي زيعور الصحة العقلية والتحليل النفسي
استجابة مبسطة لا تفقد تنقيطها
صدر للباحث علي زيعور كتاب: “المدخل إلى التحليل النفسي والصحة العقلية” في 540 صفحة من الحجم الكبير، الشركة العالمية للكتاب قدّم له رئيس مركز الدراسات النفسية والنفسية الجسدية الدكتور محمد أحمد النابلسي فرأى في أنه يتخطى دعم مستوى الثقافة النفسية لدى القارئ العام إلى جملة أهداف أخرى، منها تقديم تحليلات لمشكلات يومية غير فاقدة لرزانتها والاستجابة لحاجة القارئ العربي للإفادة من معارف العلوم الإنسانية، وأيضاً التصدي لظاهرة التثبيت وأضدادها وترسيخاً لإمكانيات تعميم الفائدة من نتاج الإنسانية الحضاري وذلك مع مراعاة الفوارق الحضارية… إن المؤلف يملك تصوراً عملياً داعماً لقيام المدرسة العربية النفسية… وهذه المدرسة التي يدعو إليها المؤلف هي مدرسة منفتحة على كافة التيارات والتطورات العلمية الأجنبية مستوعبة لها بعد أن تنتقدها على ضوء المعطيات الموضوعية كما على صعيد الوقائع الخصوصية في مجتمعنا. وصولاً إلى تثمير مختلف هذه الطروحات وتكاملها مع فلسفة التكيف مع الذات والمجال والآخر…
أما الدكتور ماجد كنج، الذي عمل عيادياً بالاشتراك مع المؤلف فيرى في الكتاب: … لم أقرأ لأحدٍ، قبل الدكتور علي زيعور، بحثاً حيادياً حول الخصائص الإنفعالية والعقلية للكتابة البادئة من اليمين… ولقد هنأته على تقسيمه للجهاز النفسي في الشخصية والحضارة والنحن، وأيضاً على توصيف ومحاكمة مراكمات السلف في العلاج النفسي، ومعاملة المريض النفسي والمجنون والصحة النفسية عموماً… وأنا أتفق معه على الاهتمام بالنفس – التحليلي للأدب واللوحة الفنية والصورة، وللأغنية الشعبية والشفهيات والمدرسة، ولمؤلّف الكتاب الابتدائي ولما هو محلي ولا مفصوح أو لغة غير منطوقة… إن إشكاليات الصحة النفسية أو تشخيص الاضطرابات السلوكية ثم طرح طرائق معالجتها قضية كنا نتفق كثيراً حولها أنا والمؤلِّف زيعور…
أ – محتويات الكتاب
تتوزع محتويات الكتاب على ثمانية فصول هي:
1- محر كا ت وأسس علم النفس في مدرسته العربية: حيث يقدِّم المؤلِّف استعراضاً لمقدّمات نشوء علم النفس ومكانته بين العلوم الإنسانية ومنطق مدارسه وتياراته فيتوقف عند خطاب المدرسة العربية في علم الاجتماع وعلم النفس واجداً في التقليد طريقاً موعراً، منهياً فصله بالحديث عن: “اللاعقل المنجرح في العقلانية الغربية المبسِّطة والمنرجَسة.
2- مداخل في التحليل النفسي وتطبيقاته الميدانية والأدبية: وفيه شرح لمفهوم العُقدة النفسية ولمصطلحات تحليلية شائعة في حياتنا اليومية (من وعي دقيق لمدلولاتها) ومن ثم بعض التطبيقات التحليلية على السلوك اليومي من علاقة بين اللاوعي وبينالهدية والحركات والهفوات وانعكاسات اللاوعي غير المباشرة في التعبير الكلامي وغير الكلامي (لتصاوير واللوحات… إلخ) حتى يصل المؤلّف إلى الحلم كصورة عاكسة للاوعي. فيتحدَّث عن الأحلام وتفسيرها عند فرويد ومن ثم عرض للخبرات الشخصية للمؤلِّف تتبعه قراءة عيادية للشخصية البخيلة ومن ثم نفسنية اللعب عند الأطفال. وأخيراً عرض مختصر لمحاضرة فرويد: ثلاث رسائل في نظرية الجنس.
3- الصحة العقلية والتوازن الانفعالي أو النضج العلائقي: وفيه مناقشة لتاريخ الصحة العقلية وللمعتقدات الشعبية حولها يتبع ذلك عرض للعوامل المخرّبة والعوامل الإيجابية في الشخصية ومناقشة الابتهاج والانفتاح، وأخيراً عرض للحرب اللبنانية ومحفاتها.
4- الصحة النفسية في ميدان العمل والتبادلية والمؤسسات: يبدأ الفصل في الحديث عن العمل كقيمة، وعن دور الثواب (المكافأة على العمل) وعن دور علم النفس الداعم للعمل وللكفاح الفردي وصولاً إلى تحقيق الذات والتكيّف الإسهامي من دون الوقوع في التماهي مع المؤسسات وينتهي هذا الفصل بمناقشة موضوع الصحة النفسية في مجال حقوق العامل والتعرّف العام إلى المرض النفسي والعقلي.
5- الصحة النفسية للأطفال: يبدأ بتعريف التوازن النفسي والصحة العقلية للطفل وللأنا والكذب والغيرة والعناد وقضم الأظافر.
بعدها يطرح الدكتور زيعور الأبعاد النفسية للطعام كرمز لإرضاء الأم أو التمرّد عليها وينهي هذا الفصل بعرض أخطار القمع والاستبداد والعقاب… إلخ.
6- الخطوط الكبرى للتشخيص والعلاج داخل مجال الصحة العقلية: ويبدأه د. زيعور بعرض شامل لعموميات التشخيص والعلاج في عيِّنات من الأمراض النفسية. ثم يتوقف عند موضوع وحدة النفس – الجسدي وبعده ازدواجية الشخصية وعلاقتها بالثقافات وبعدها يعود ليركِّز على أمراض الفصام والبارانويا وعصاب العنف والوسواس القهري (المتسلّط) والرهاب (الخواف) ونسق العلاج النفسي المعاصر.
7- محاولات في التحليل الذاتي: وفيه يعرض المؤلف للاختبارات التالية:
1- راز استكشاف التوتر.
2- هل أنت مسرف في القلق؟
3- هل أنت مصاب بعقدة نقص؟
4- الثقة بالنفس.
5- هل أنت صارم مع نفسك؟
6- اختبر اتجاهاتك.
7- راز للوالدين.
8- اختبر حبك للآخرين.
9- هل أنت إداري جيد؟
10- هل تجري وراء السراب؟
11- اختبر صحتك.
12- هل أنت حسَّاس؟
13- امتحن سيطرتك على نفسك؟
8- نظرة استرجاعيةملّخصة: وفيه استعرض لتيارات الدراسات النفسية في المجال العربي المعاصر. يليه عرض لاختبار من تصميم المؤلّف (تنقيط كلمات بدون نقاط) يسمِّيه بالرور شاخ اللفظي، ثم عرض لعلم النفس الإسلامي المعاصر وتمييزه عن علم النفس العربي الذي يتعاطى بصورة علمانية مع البيئة الثقافية العربية ينتهي هذا الفصل باستكشاف الحاجات الثانوية اللامشبعة.
ب- قطاع الرموز والأحلام والتأويلات في الفلسفة العربية الإسلامية: وهو عنوان محاضرة ألقاها المؤلّف في مؤتمر مركز الدراسات النفسية الذي عُقد في طرابلس عام 1994 تحت شعار مدخل إلى علم نفس عربي، حيث يقول رئيس الجلسة الدكتور محمد رضوان حسن في تقديمه لهذا الكتاب:
وينزلق الدكتور زيعور في دراسته إلى فلسفة التأويل التي يوازيها بـ “الرمازة”، و “الرمزياء”، وأيضاً “علم الرموز” وهو يتوخّى من ذلك كله إعادة تثمير الفكر التأسيسي من حيث هو ذكرى وتصورات وتجربة. وهذا التثمير يصب في عمليات تعزيز المدرسة النفسية العربية المعاصرة… إلخ.
ج – اختبار تنقيط الكلمات: لقد تعمَّدنا الإشارة العابرة إلى اهتمام المؤلِّف بالرموز والأحلام وعلم الرموز و “الرمزياء” من أجل الحديث عن اختبار الروز شاخ اللفظي الذي يقوم على تقديم لائحة من الكلمات غير المنقّطة إلى المفحوص والطلب إليه أن يقوم هو بتنقيطها لإعطائها المعنى، الأمر الذي يستدعي الآليات الإسقاطية للمفحوص ويحول اختبار الكلمات هذا إلى اختبار إسقاطي، وهو يتضمن أيضاً طرح كلمات للتشكيل وأخرى لتعديل آخر حرف فيها.
مما لا شك فيه أن فكرة هذا الاختبار هي فكرة مبدعة ولها خصوصيتها اللسانية الخاصة باللغة العربية كنظام رمزي ثقافي/ ولقد سرّني وأغبطني أن تتولى مجلة “الثقافة النفسية المتخصّصة” أن تقوم بدور التعريف بهذا الاختبار وبطرحه وأن تتجاوز التعريف إلى اقتراح شكل عيادي قابل للتطبيق فقد عمدت المجلة إلى طرح قائمة كلمات اختبار يونغ ولكن بدون تنقيط كي تكون هذه الكلمات مفاتيح التنقيط والتشكيل والأبدال، حيث يمكن الاستفادة من تفسيرات اختبار يونغ لدعم الاستنتاجات حول تطبيق هذا الاختبار.
لقد بذل الزميل زيعور جهوداً لا يُستهان بها لإخراج هذا الكتاب الذي يمتاز بتكامليته، حيث جمع المؤلف بين الفلسفة وعلم النفس والتحليل النفسي، والتراث العلمي العربي، وعلم الإناسة ليقدّم لنا وجهات نظر تخرج على مألوف الكتابات النفسية العربية.
د. عبد الرحمن عيسوي
جامعة الإسكندرية
الأنوار 27/7/1997