الشهر: جوان 2014
مناقشات الدكتوراه
تقديم
المقصودُ الأول، في هذا الكتاب، يتميَّز عن الرمزيِّ والمتخيَّل، عن الحدسيِّ والإيمانويّ. إنَّه القول الفلسفي ؛ إنَّه العقل، أو الذّهنُ، أو الفكر. وهنا الفلسفة، والمقالُ المفهوميّ أو الأفهوميّ؛ وهو النظرانية. هو المحضانية، والعِلم الأتَمّ أو المعرفةُ بالأعَمِّيِّ والأشمليّ طِباقياً وقطاعياً.
أدناه، يأتي العقل أداةَ معرفةٍ، ومنهجاً، ورؤية. ولذلك فهو يختلف عن العادة أو الغريزة، العاطفةِ أو الانفعال، الانتباهِ أو المعتَقِدة، التكلّمِ أو الوعيِ أو الذاكرة، المزاجِ كما الطبع. ليس يُعاد هذا العقل إلى مَلَكةٍ أو قوَّةٍ من تلك القوى النفسية؛ لكنَّه يستلزمها جميعها، يحتاجها، ويتغاذى معها بتكاملٍ وتضافر. وبذلك فالعقل، والذي هو الفكر والحداثة والنقد، موضوعٌ نفساني؛ بل هو غرضٌ أساسيّ لعلم النفس. وفوق ذلك يكون علمُ النفس أيضاً عِلمَ الأحداث النفسية؛ عِلمَ الحالات النفسيةِ من حيث هي مَعْنِيَّةٌ بالوعي معاً وبالسلوك قائمَيْن في حقلٍ اجتماعيّ تاريخيّ وطبيعي (فيزيائي وبيولوجي/حِياويّ).
2
والمقصودُ الثاني هو، في هذا الكتاب، معاينةٌ تُشخِّص؛ وتُحاكِم؛ وتَطْرح خطّةً أو أفكاراً حول العلاج: تُشخِّص بمعنى أنَّها تَصف الظواهر أو الأعراضَ كما المستوياتِ والغوريات، اللاسويَّ والمعيوش، الواعي واللاواعي…؛ والمعاينةُ تحاكِم أي هي تَعْرف وتَنْتقد، تكتشِف الأسبابَ وتفسِّر كما قد تَفْهم أو تؤوِّل…؛ أمَّا خطوةُ اقتراحِ علاجٍ ، أي إعادةُ ضبطٍ أو إعادةُ تأهيل، فهي خطوةُ العودةِ بالفكر إلى الواقع ومقترحاتِ التعاون بين التلاؤم والتكيُّف: بين الحركة من الذات إلى الوسط الطبيعي أو المجتمعي، والحركةِ من الوسَط أو الخارجِ إلى الداخل والفِيّاوِيّ.
أدناه، تأتي كلُّ توصيفةٍ تعبيراً عن حالة. والحالة هنا هي حالةٌ من حالات النفس أو الوعي مصاغةٌ مسكوبةٌ في مقطَّعِ «مستقل» مكرَّس، مُفْرَدٍ ومحدودِ السَّعَةِ أو الحجمِ والمقاييس. وهكذا فالمقطَّعات حاملاتٌ إمَّا لمقولةٍ أو لحالةٍ نفسية؛ لحالةٍ صحيةٍ نفسيةٍ هي إمَّا مضطربة أو معافاة، تحليلْنَفْسيةٌ أو طبَّنَفْسية، واعيةٌ أو غير واعية… كما قد تكون الظاهرةُ الموصوفة المفحوصةُ عائدةً إلى الوسط النفسي ـ’العضوي (الانتباه، العادة، الكلام، التفكير…)؛ أو إلى الوسط المجتمعيِّ (الشروط، الحقل، البُعد التاريخي والحضاري)؛ أو إلى الوسط الفيزيائي الطبيعي، والجسدي (را: وحدة أبعاد الإنسان).
الدكتورة سالم تحاور الدكتور زيعور: تفسير أساطيرنا عبر يونغ وفرويد معا
الدكتورة سالم تحاور الدكتور زيعور تفسير أساطيرنا عبر يونغ وفرويد معا
الدكتورة نبيلة ابراهيم سالم :استاذة في كلية الآداب في جامعة القاهرة
جريدة النهار، بيروت،20-1- 1975
كتب الدكتور علي زيعور ثلاث مقالات في جريدة النهار الصفحة الثقافية تحت عنوان ” تفسير الأساطير الشعبية والصوفية”. اطلعتُ على المقالين الثاني والثالث تاريخ 4/5، 5/1، وللأسف فاتني قراءة المقال الأول. أسعدني كثيرا أن ينحو المهتمون بالدراسات الإنسانية، وبخاصة تلك التي تمس مباشرة، جوهر الحياة الإنسانية، مثل علم الانثربولوجيا وعلم الدراسات الشعبية وعلم النفس، أن ينحو هؤلاء إلى جعل الهدف من هذه العلوم وظيفياً، في معنى ألا يعيش المهتمون بها في برجهم العاجي يقضون العمر في دراسة النظريات بعيداً عن الناس الذين استقى منهم الباحثون أصلاً المادة التي كونت من بعد جوهر تلك العلوم. وكلنا يعرف كيف نشأ علم الانتربولوجيا أو علم الإنسان مصاحبا للاستعمار ولِهدفِ الكشف عن أعماق الجماعات المستعمرَة حتى تسهل قيادتها. فهذه العلوم لم تنشأ إذن إلا لتجيب عن سؤال ملحّ وهو: من أنا؟ وما الأصول التي انتمي إليها والتي ترسبت في نفسي ودعتني لأن أسلك فرديا وجماعيا على نحو ما؟ ويبدو من المقدمة الموجزة التي افتتح بها الدكتور زيعور مقالاته انه يرمي إلى تحقيق أمرين، في وقت واحد. الأول، استخدام علم النفس استخداما عملياً في الكشف عن الرموز الشعبية، والثاني: تفسير رموز التصوف في ارتباطها بالتقاليد والقصص الشعبية والرموز العالمية على حد تعبيره. من هذا المدخل حاول الدكتور زيعور أن يفسر رمزين شعبيين مرتبطين بمعتقدين شعبيين يسودان مجتمعاتنا العربية، أما الرمز الأول فهو “الودع”الذي له صلة بالاعتقاد الشعبي في قدرة أشياء بعينها في الكشف عن الغيب. وأما الرمز الثاني فهو النعل الذي يتصل بمعتقد شعبي آخر، هو درء الحسد عن الشيء الذي يُعلَّق به النعل أو الخرزة الزرقاء أو الكف، إلى غير ذلك. وعندما شاء الكاتب أن يفسر رمز الودع نفسيا، وجد، وربما عن طريق كلمة “الودع”، و”ذات الودع” (بسكون الدال)، وهي آلة كان يعبدها العرب الجاهليون وفسرها القدماء أنها تجسيد لسفينة نوح.
تكرّس القولِ الفلسفي العربي أو إسهاميته وضراميته
تكرّس القولِ الفلسفي العربي أو إسهاميته وضراميته
أحمد ماجد
وقفت الذات العربية مرات عدة أمامه، خضعت للتحليل والتقييم، حاولت معه أن تعود إلى توازنها في قطاعاتٍ عدة، من التصوف والتكيّف الحضاري إلى قطاع البطولة والنرجسية … حتى كادت أن تفضح سرها على يديه، وتبوح معه بانجراحاتها التي نتجت عن وسواسها القهري، الذي نتج عن سنوات طويلة من الخضوع وفقدان التوازن.
واليوم، يطل علينا من جديد، من ناحية فلسفية،_ لم يغادرها في يوم_، ولكنه تسلل منها، ليسأل في زمن الضباب، حيث كثر اللغط عن القول الفلسفي في الحضارة العربية الإسّلامية، فمن قائل عن عحز عربي_إسلامي، إلى ناظر من كهفه إلى صورة الآخر، فرأى الظلال الكبيرة فشعر بصغره دون تساؤل، يفترضه عقله الفلسفي، إلى متغرب في صحراء التيه، فقد كل تاريخه في القول، فتصور أنه لم يقل يوما في تاريخه، فأنكر الفلسفة، ونفاها عن ذاته، وتطهر منها، وجلد كل من حاول أن يخرج من خلف الستار؛ ليقول له “أُنظُر تَعلَم”.
خرج إلى ساحة القول
لكي ينظم سؤالاً، إجابة، لكي يعيد تركيب الكلمات.
يطرح الدكتور علي زيعور في كتابه” النظريات في فلسفة الوجود والعقل والخير” الصادر عن دار النهضة العربية، عام 2006ومن خلال 469 صفحة، سؤال الفلسفة، يسعى للإجابة، من خلال تقدبم وإبانة وأربعة أبواب، تستقرىء القول الفلسفي بكل تفصيلاته، فيدخل إلى خصوصيته، يفتش في أوراق الفلاسفة! أو من قال “فلسفة”، فيقيمها ويقومها، ليظهر قوامها، وهو لا يتعامل مع هذا القول كناجز، تحول إلى ورق وحبر، وأذن لنفسه أن يرتاح، لكنّه آثر التعامل مع هذه الأعمال كمادة أولية قابلة للسؤال والمساءلة، فتحولت إلى مادة أولية، تُظهر حركة الفكر، بل لا المفكَّر به، حولها إلى رائز ينظر فيه فيرى من خلاله حركة الفكر وأزمته.